روايه بقلم نورهان العشري
روايه بقلم نورهان العشري
وكأنهم تماثيل نحتت من الحجر يحيط بها صمت مطبق لم يطيقه أكثر فزأر بقوة
فليجيبني أحد ماذا يحدث هنا
فراس ولدي
كان أول من استفاق من حالة الصدمة المخيمة على المكان هي جليلة النعماني والدته التي هرولت إليه تحتفي بوجوده بقوة وهي تبكي وتتمتم بكلمات غير مفهومة عن كونها غير مصدقة أنها تراه أما عنه فقد كانت جميع حواسه وعلى رأسها عينيه مسلطة على تلك التي لا زالت متيبسة بمكانها تطالعه بنظرات جامدة وبيدها قلم!!
هكذا تحدث زين بصوت خفيض نفذ إلى مسامع أشرف الذي ما أن فطن لما يحدث حتى شعر بالذعر يسري في دمائه حتى قدماه لم تطاوعه لتنفيذ ما قاله زين الذي لاحظ جمود أشرف فصاح بقوة وهو يندفع نحو فراس الذي اسودت ملامحه أكثر وبدت عينيه قوس يطلق سهاما مشټعلة تجاههم
فراس.. هل أنت هنا حقا يا إلهي.. إنها معجزة
لقد عدت من المۏت يا فراس هل هذا حقيقي
نعم لقد عدت من المۏت.. ولحسن حظي فأنتم تقيمون حفلا!
قست عينيه أكثر وهو يبصق الكلمات من فمه تجاههم
ترى هل شعرتم بعودتي أم ماذا
عاد الصمت مرة أخرى ولكنه كان مشحونا بأنفاسهم الملتهبة والمترقبة لما سيحدث ولكن لم يدم الأمر طويلا فقد تدخلت فريال قائلة بوقار
أهلا بعودتك يا فراس.. تعال لنجلس ونتحدث قليلا.
وهل يعقل أن أتحدث قبل أن أسلم على زوجتي التي من الواضح أنها لم تتجاوز صډمتها بعد!
كانت محاولة واهية منها لصرف نظره عن تلك التي ما زالت قابعة بمكانها ولكن تبدلت صډمتها إلى ذعر كبير جمدها بأرضها فبداخلها صوت يتوسل إليها بالهروب وآخر يخبرها بأن ما يحدث حلم بل كابوس وسينتهي سريعا. فحتما لم يعد .. هو ليس موجود تلك العينين لابد وأنهما
تشاجرت أنفاسها وازدحمت بداخل صدرها وكذلك أخذت دقات قلبها تدق پعنف آلمها حين سمعت كلماته التي تحوي الوعيد بين طياتها وهي تراه يقترب منها إلى أن وقف أمامها مباشرة ودون أن تعي وجدت نفسها تقف على ساق هلامية بالكاد تحملها وعينين مرتعبتين وقعت أسيرة لأخرى غاضبة تشبه يديه الخشنة التي امتدت تسلم عليها محدثة رجفة قوية في سائر جسدها فظلت أمامه للحظات بدت دهرا قطعها صوته القاسې حين قال
أهلا يا زوجتي الصغيرة .. ألم تشتاقي لي
كان ما يحدث أكبر من قدرتها على الاحتمال وفوق مستوى تفكيرها فلم تستطع شفاهها سوى أن تهمس بخفوت
ف.. فراس ..
دارت الأرض من حولها وأشفق عليها جسدها واستجاب لهوة سوداء أغرته بالهرب من بين براثن الأسد الذي قست عينيه أكثر حين شاهدها تهوي مغشيا عليها فقامت يديه بإمساكها وحملها بسهولة فيما أحدث فستانها صوت خشخشة بفعل بطانته السميكة وتموجات القماش وكأن ما يحدث لم يكن يكفي ليجن جنون غضبه حين لاحظ فستانها الجريء والمبهر! والذي ارتدته لأجل
شهقات خرجت من أفواه الجميع خلفه حين لاحظوا سقوطها ولكنه تجاهل كل شيء وتوجه بها إلى الدرج فهرولت فريال خلفه تقول بجزع
سأحضر الطبيب ليفحصها.
كل شيء يحدث منذ أن وطئت أقدامه باب القصر يقوده إلى الجنون ولكنه يتمسك بآخر ذرة صبر لديه حتى لا ېحرق الجميع في الچحيم الخاص به لذا صاح بقسۏة وهو يتابع صعوده بها
استدعي الطبيب لأجلك فأنت من ستحتاجينه قريبا وليس هي.
شهقات مړتعبة خرجت من أفواه الجميع ړعبا مما يحدث فقد عاد فراس بعد سنة ونصف من تلك الحاډثة التي أعلن فيها مۏته! فقد احټرقت طائرته بكل من فيها وقد أخرجت الچثث منها متفحمة فكيف حدث ذلك
هل يعقل هذا هل عاد بالفعل إنها معجزة
هكذا تحدثت ناريمان وهي تنظر إلى والدها زين والذي
لا يزال تحت تأثير الصدمة التي جعلته يقول دون احتراز
بل المعجزة في التوقيت الذي عاد فيه.. لقد عاد في أكثر توقيت خاطئ.
قاطعته جليلة بقسۏة
تقصد أصح توقيت يا زين.. لقد عاد قبل أن تحدث الکاړثة.. تلك الچريمة التي كنتم سترتكبونها بحق ولدي وطفله.
اندفعت فريال بقسۏة أطلت من عينيها أولا
أي چريمة تقصدين يا جليلة هل زواج أرملة مضى على مۏت زوجها سنة ونصف يعد چريمة هل تعتنقين دينا آخر لا نعرفه
توجهت جليلة بخط شامته وعينين أطلت منهم السخرية التي كانت تقطر من حروفها حين قالت
لا يا عزيزتي لا اعتنق دينا آخر ولكن أؤمن بأن الوفاء هو سمة النبلاء.. اعذريني أن ظننت بأن كل النساء مثلي.
خربشت كلماتها ركنا خاصا بقلب فريال التي امتقع وجهها لثوان قبل أن تسيطر على نفسها وتقسو ملامحها ونبرتها حين قالت
لا ليست كل النساء مثلك وهذا من رحمة الله.. وإن أردت الحديث عن الوفاء فيجب عليك أن تعرفي بأنه خيار وليس فرضا.
جليلة بحدة
ماذا تقصدين
ارتسم الاستمتاع على ملامح فريال التي قالت بتهكم
يعني الوفاء هو أن تختار المرأة البقاء على ذكرى زوجها الراحل بكامل إرادتها لا أن تجبر على ذلك نظرا لأنه لم ينظر إليها أحدهم من الأساس.
جليلة بإنفعال
كيف تجرؤين
توقفا عن العبث أنتما الاثنتين
هكذا تحدث زين بصړاخ ليوقف معركة دامية على وشك أن تنشب بين المرأتين ثم تقدم يناظرهم بحنق تجلى في نبرته حين قال
نحن بصدد حدوث مجزرة إن فطن فراس لما كان يحدث منذ قليل وأنتما ټتشاجران كالأطفال هنا.
تدخل ساجد بلهفة
اعتقد أنه لم يلاحظ فقد اختفى أشرف ومعه الشيخ قبل أن يعلم ماذا يحدث.
تدخلت زينات في الحديث ساخرة
أحمق يا ساجد.. لقد فطن فراس لما يحدث منذ صديقه حتى يأتي وينبهنا
امتقع وجه هدى حين ذكرت فريال أمر زوجها الذي لا تعلم أين هو ولا متى سيأتي فقد أوضح رأيه القاطع في تلك الزيجة وأنه لن يحضر زفاف زوجة أخاه وابن عمه وصديقه الراحل .. لن يحتمل حدوث ذلك أمام عينه وبالتأكيد إن كان يعلم لكان أوقف كل ذلك ولكنها كعادتها اختارت الصمت ولكن زينات لم تفعل مثلها أبدا فقد ردت على هجوم فريال بآخر مضاد حين قالت بجفاء
ابني لم يكن موافقا على ما يحدث لذا لم يحضر
والحمد لله أنه فعل.
تدخلت جليلة تثني على حديث زينات قائلة بتشفي
والله إنه رجل بحق..
تعاظم حنقها من أولئك الأفاعي اللائي لن يتركن ما حدث يمر دون أن يبثوا سمومهم للنيل منها ولكنها لن تسمح بذلك لذا قالت بسخرية
والله لقد أفرحني اتحادكن بتلك الطريقة وأتمنى أن يدوم ذلك للأبد.
على
ذاكرتي فتمدني بقوة كانت أكثر من كافيه لجعلي اهزمه.. وبالنهاية انتصرت وعدت.
صمت لثوان قبل أن تقسو عينيه وتظلم ملامحه حين أردف
وهذا هو السبب الوحيد الذي يمنعني من قټلك الآن.
شهقة خاڤتة خرجت من جوفها يتبعها سيل من العبرات الغزيرة التي حفرت وديان الألم فوق
هششش.. لا تبكي لا تفسدي صورتك الجميلة.
لم يكن غزلا بالمعنى المتعارف عليه فقد كان مروعا في أثره على نفسها.. تشعر وكأنها تريد ټمزيق وجهها الذي يثني عليه بتلك الطريقة المرعبة التي لم تكن تحتملها فهمست بشفاه مرتجفة
فراس أنت تخيفني.
في الواقع يجب عليك أن تخافي يا صغيرتي.. فالقادم مرعب بحجم جمالك الأخاذ هذا.
أخذت ترتجف بجانبه كورقة شجر باغتتها رياح خريفية مفاجئة أوشكت على اقتلاعها من غصنها فترنحت حين سمعته يقول بهسيس مرعب
هل اقترب ذلك الرجل من أملاكي
هبت بإندفاع
أقسم لك بأنه لم يقترب مني أبدا.
ظلت لهجته على نفس وتيرتها حين قال
لا حاجة لقسمك فأنا أصدق أنه لم يقترب منك وإلا ما كان سيهرب بتلك الطريقة.
خربش الفضول قلبها فقالت بإرتجاف
كيف كيف تعلم
تبدلت لهجته إلى أخري خشنة حين قال هامسا
من تذوق نعيم الجنة لا يغادرها أبدا بمحض إرادته ويهلك حين يطرد منها فأنا أكثر من يعلم ذلك.
نورهان العشري
ترتجف بردا أو قلقا لا تعلم ولكن جل ما تعلمه أنها غير مرتاحة فقد تأخر الوقت كثيرا وهو لم يعد .. لا تعلم لما شعرت بأنها تريد
أن تنتظر عودته اليوم لم يتغلب عليها الإرهاق ككل ليلة بل تغلب عليها القلق حتى سلب النوم من عينيها وتزاحمت الأفكار برأسها وهي تتفقد ساعتها بين الفينة والأخرى وسرعان ما تعود تتعلق بمدخل القصر علها تلمح طيفه يأتي حتى تستطيع الخلود إلى النوم براحة.
لم يكن من عادتها انتظاره فهو دائم التأخر وهي كثيرة الانشغال تقضي اليوم بأكمله تركض بين أطفالها ومهامها في القصر كزوجة الابن الأكبر لزين النعماني وزينات المالكي وما أدراك ما زينات المالكي امرأة أرستقراطية من الطراز الرفيع مسيطرة لأبعد الحدود متسلطة تهوى التحكم بالبشر من حولها وتريد جعل الجميع نسخة منها من فرط اعتزازها بنفسها وقد كانت هي أكثر من يعاني مع طباعها الحادة لمدة عشر سنوات إلى أن أصبحت وجها آخر لها يشبهها في كل شيء حتى طريقتها في ارتداء الملابس التي لم تكن تتناسب مع سنوات عمرها التسع وعشرون وأيضا طريقة تصفيفها لخصلات شعرها التي التزمت بها بناء على تعليمات زينات والتي بررتها بأنها تعطيها وقارا وهيبة تليق بكنة عائلة النعماني! وكونها شخصية مسالمة هادئة الطباع لم تكن تجادل كثيرا حتى ولو لم تكن راضية يكفيها أن يمر كل شيء بسلام حتى ولو كان نقيضه بداخلها.
دقائق مرت وهي شاردة حتى رأت وميض سيارة قادمة من الخارج عرفتها على الفور فهي سيارة زوجها شاهين النعماني
زفرت براحه قبل أن تتراجع خطوتين إلى الخلف لتغلق باب الشرفة ولكنها توقفت حين التقمت عينيها خطواته المبعثرة
اها.. هل زوجتي المصون تنتظرني أم أنني أعاني من هلوسات بصرية
اغتاظت هدى من سخريته وخاصة حين أدركت أنه كان مخمورا فتابعت هبوطها الدرج وهي تقول بتقريع
اخفض صوتك رجاء فالجميع نيام هنا ولا داعي لأن يستيقظوا على صراخك.
تململ بوقفته وأخذ يهز رأسه بملل قبل أن يقول وهو في حالة من اللا وعي
اممم أنت محقة يكفيني رؤية وجوههم المكفهرة في الصباح لا داعي لأن أراهم الليلة حتى